فصل: الفصل السادس: كيفيات الأهوية ومقتضيات الفصول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع: أحكام الفصول:

وتعابيرها كل فصل يوافق من به مزاج صحي مناسب له ويخالف من به سوء مزاج غير مناسب له إلا إذا عرض خروج عن الاعتدال جداً فيخالف المناسب وغير المناسب بما يضعف من القوة وأيضاً فإن كل فصل يوافق المزاج العرضي المضاد له وإذا خرج فصلان عن طبعهما وكان مع ذلك خروجهما متضاداً ثم لم يقع إفراط متماد مثل أن يكون الشتاء كان جنوبياً فورد عليه ربيع شمالي كان لحوق الثاني بالأول موافقاً للأبدان معدلاً لها فإن الربيع يتدارك جناية الشتاء.
وكذلك إن كان الشتاء يابساً جداً والربيع رطباً جداً فإن الربيع يعدل بيبس الشتاء.
وما لم تُفْرِط الرطوبة ولم يطل الزمان لم يتغيّر فعله عن الإعتدال إلى الترطيب الضار.
تغيّر الزمان في فصل واحد أقل جلباً للوباء من تغيره في فصول كثيرة تغيّراً جالباً للوباء ليس تغير امتداد كالماء يجنيه التغيّر الأول على ما وصفنا.
وأولى أمزجة الهواء بأن يستحيل إلى العفونة هو مزاج الهواء الحار الرطب وأكثر ما تعرض تغيرات الهواء إنما هو في الأماكن المختلفة الأوضاع والغائرة ويقلّ في المستوية والعالية خصوصاً.
ويجب أن تكون الفصول ترد على واجباتها فيكون الصيف حاراً والشتاء بارداً وكذلك كل فصل فإن انخرق ذلك فكثيراً ما يكون سبباً لأمراض رديئة.
والسنة المستمرة الفصول على كيفية واحدة سنة رديئة مثل أن يكون جميع السنة رطباً أو يابساً أو حاراً أو بارداً فإن مثل هذه السنة تكون كثيرة الأمراض المناسبة ليكفيتها ثم تطول مددها فإن الفصل الواحد يثير المرض اللائق به فكيف السنة مثل أن الفصل البارد إذا وجد بدناً بلغمياً حرك الصرع والفالج والسكتة والقوة والتشنُّج وما يشبه ذلك.
والفصل الحار إذا وجد بدناً صفراوياً أثار الجنون والحمّيات الحادة والأورام الحارة فكيف إذا استمرت السنة على طبع الفصل.
وإذا استعجل الشتاء استعجلت الأمراض الشتوية وإن استعجل الصيف استعجلت الأمراص الصيفية وتغيّرت الأمراض التي كانت قبلها بحكم الفصل وإذا طال فصل كثرت أمراضه وخصوصاً الصيف والخريف.
واعلم أن لانقلاب الفصول تأثيراً ليس هو بسبب الزمان لأنه زمان بل لما يتغيّر معه من الكيفية هو تأثير عظيم في تغيّر الأحوال وكذلك لو تغيّر الهواء في يوم واحد من الحر إلى برد لتغيّر مقتضاهما في الأبدان.
وأصح الزمان هو أن يكون الخريف مطيراً والشتاء معتدلاً ليس عادماً للبرد ولكن غير مفرط فيه بالقياس إلى البلد.
هان جاء الربيع مطيراً ولم يخل الصيف من مطر فهو أصحّ ما يكون.

.الفصل الخامس: الهواء الجيد:

الهواء الجيّد في الجوهر هو الهواء الذي ليس يخالطه من الأبخرة والأدخنة شيء غريب وهو مكشوف للسماء غير محقون للجدران والسقوف اللهم إلا في حال ما يصيب الهواء فساد عام فيكون المكشوف أقبل له من المغموم والمحجوب وفي غير ذلك فإن المكشوف أفضل.
فهذا الهواء الفاضل نقي صافٍ لا يخالطه بخار بطائح وآجام وخنادق وأرضين نزه ومباقل وخصوصاً ما يكون فيه مثل الكرنب والجرجير وأشجار خبيثة الجوهر مثل الجوز والشوحط والتين وأرياح عفنة ومع ذلك يكون بحيث لا يحتبس عنه الرياح الفاضلة لأنّ مَهابُّها أرض عالية ومستوية فليس ذلك الهواء هواء محتبساً في وهدة يسخن مع طلوع الشمس ويبرد مع غروبها بسرعة ولا أيضاً محقوناً في جدران حديثة العهد بالصهاريج ونحوها لم تجف بعد تمام جفافها ولا عاصياً على النفس كأنما يقبض على الحلق وقد علمت أن تغيرات الهواء منها طبيعية ومنها مضادة للطبيعة ومنها ما ليس بطبيعي ولا خارج عنه واعلم أن تغيرات الهواء التي ليست عن الطبيعة كانت مضادة أو غير مضادة قد تكون بأدوار وقد تكون غير حافظة للأدوار وأصح أحوال الفصول أن تكون على طبائعها فإن تغيرها يجلب أمراضاً.

.الفصل السادس: كيفيات الأهوية ومقتضيات الفصول:

الهواء الحار يحلل ويرخي فإن اعتدل حمر اللون بجذب الدم إلى خارج وإن أفرط صفره بتحليله لما يجذب وهو يكثر العرق ويقلل البول ويضعف الهضم ويعطش والهواء البارد يشد ويقوي على الهضم ويكثر البول لاحتقان الرطوبات وقلة تحلّلها بالعرق ونحوه ويقلل الثفل لانعصار عضل المقعدة ومساعدة المعي المستقيم لهيئتها فلا ينزل الثفل لفقدان مساعدة المجرى فيبقى كثيراً وتحلل مائيته إلى البول.
والهواء الرطب يليّن الجلد ويرطب البدن.
واليابس يفحل البدن يجفف الجلد.
والهواء الكدر يوحش النفس ويثير الأخلاط.
والهواء الكدر غير الهواء الغليظ فإن الهواء الغليظ هو المتشابه في خثورة جوهره والكدر هو المخالط لأجسام غليظة.
ويدل على الأمرين قلة ظهور الكواكب الصغار وقلة لمعان ما يلمع من الثوابت كالمرتعش.
وسببهما كثرة الأبخرة والأدخنة وقلة الرياح الفاضلة.
وسيعود لك الكلام في هذا المعنى ويتم إذا شرعنا في تغييرات الهواء الخارجة عن المجرى الطبيعي.
وكل فصل يرد على واجبه أحكام خاصة ويشترك آخر كل فصل وأول الفصل الذي يتلوه في أحكام الفصلين وأمراضهما.
والربيع إذا كان على مزاجه فهو أفضل فصل وهو مناسب لمزاج الروح والدم وهو مع اعتداله الذي ذكرناه يميل عن قرب إلى حرارة لطيفة سمائية ورطوبة طبيعية وهو يحمر اللون لأنه يجذب الدم باعتدال ولم يبلغ أن يحلله تحليل الصيف الصائف.
والربيع تهيج فيه الأمراض المزمنة لأنه يجري الأخلاط الراكدة ويسيلها ولذلك السبب تهيج فيه ماليخوليا أصحاب الماليخوليا ومن كثرت أخلاطه في الشتاء لنهمه وقلة رياضته استعد في الربيع للأمراض التي تهيج من تلك المواد بتحليل الربيع لها وإذا طال الربيع واعتداله قلت الأمراض الصيفية.
وأمراض الربيع اختلاف الدم والرعاف وتهيج الماليخوليا التي في طبع المرة والأورام والدماميل والخوانيق وتكون قتالة وسائر الخراجات ويكثر فيه انصداع العروق ونفث الدم والسعال وخصوصاً في الشتوي منه الذي يشبه الشتاء ويسوء أحوال من بهم هذه الأمراض وخصوصاً السد ولتحريكه في المبلغمين مواد البلغم تحدث فيه السكتة والفالج وأوجاع المفاصل وما يوقع فيها حركة من الحركات البدنية والنفسانية مفرطة وتناول المسخنات أيضاً فإنهما يعينان طبيعة الهواء ولا يُخَلص من أمراض الربيع شيء كالفصد والاستفراغ والتقليل من الطعام والتكثير من الشراب والكسر من قوة الشراب المسكر بمزجه.
والربيع موافق للصبيان ومن يقرب منهم.
وأما الشتاء فهو أجود للهضم لحصر البرد جوهر الحار الغريزي فيقوي ولا يتحلل ولقلة الفواكه واقتصار الناس على الأغذية الخفيفة وقلة حركاتهم فيه على الإمتلاء ولإيوائهم إلى المدافىء وهو أكثر الفصول للمدة السوداء لبرده وقصر نهاره مع طول ليله.
وأكثرها حقناً للمواد وأشدها إحواجاً إلى تناول المقطعات والملطفات والأمراض الشتوية أكثرها بلغمية.
ويكثر فيه البلغم حتى إن أكثر القيء فيه البلغم ولون الأورام يكون فيه إلى البياض على أكثر الأمر.
ويكثر فيه أمراض الزكام ويبتدىء الزكام مع اختلاف الهواء الخريفي ثم يتبعه ذات الجنب وذات الرئة والبحوحة وأوجاع الحلق ثم يحدث وجع الجنب نفسه والظهر وآفات العصب والصداع المزمن بل السكتة والصرع كل ذلك لاحتقان المواد البلغمية وتكثرها.
والمشايخ يتأذون بالشتاء وكذلك من يشبههم.
والمتوسطون ينتفعون به ويكثر الرسوب في البول شتاء بالقياس إلى الصيف ومقداره أيضاً يكون أكثر.
وأما الصيف فإنه يحلل الأخلاط ويضعف القوة والأفعال الطبيعية لسبب إفراط التحليل ويقل الدم فيه والبلغم ويكثر المرار الأصفر ثم في آخره المرار الأسود بسبب تحلل الرقيق واحتباس الغليظ واحتقانه.
وتجد المشايخ ومن يشبههم أقوياء في الصيف ويصفر اللون بما يحلل من الدم الذي يجذبه وتقصر فيه مدد الأمراض لأن القوة إن كانت قوية وجدت من الهواء معيناً على التحليل فأنضجت مادة العلة ودفعتها وإن كانت ضعيفة زادها الحر الهوائي ضعفاً بالإرخاء فسقت ومات صاحبها.
والصيف الحار اليابس سريعاً ما يفصل الأمراض والرطب مضاغ طويل مدد الأمراض ولذلك يؤول فيه أكثر القروح إلى الآكلة ويعرض فيه الاستسقاء وزلق الأمعاء وتلين الطبع ويعين في جميع ذلك كله كثرة انحدار الرطوبات من فوق إلى أسفل وخصوصاً من الرأس.
وأما الأمراض القيظية فمثل حتى الغبّ والمطبقة والمحرقة وضمور البدن.
ومن الأوجاع أوجاع الأذن والرمد ويكثر فيه خاصة إذا كان عديم الريح الحمرة والبثور التي تناسبها وإذا كان الصيف ربيعياً كانت الحميات حسنة الحال غير ذات خشونة وحدة يابسة وكثر فيه العرق وكان متوقعاً في البحارين لمناسبة الحار الرطب لذلك فإن الحار يخلل والرطب يرخي ويوسع المسام.
وإن كان الصيف جنوبياً كثرت فيه الأوبئة وأمراض الجدري والحصبة.
وأما الصيف الشمالي فإنه منضج لكنه يكثر فيه أمراض العصر.
وأمراض العصر أمراض تحدث من سيلان المواد بالحرارة الباطنة أو الظاهرة إذا ضربتها برودة ظاهرة فعصرتها وهذه الأمراض كلها كالنوازل وما معها وإذا كان الصيف الشمالي يابساً انتفع به البلغميون والنساء وعرض لأصحاب الصفراء رمد يابس وحميات حارة مزمنة وعرض من احتراق الصفراء للاحتقان غلبة سوداء.
وأما الخريف فإنه كثير الأمراض لكثرة تردد الناس فيه في شمس حارة ثم رواحهم إلى برد ولكثرة الفواكه وفساد الأخلاط بها ولانحلال القوة في الصيف.
والأخلاط تفسد في الخريف بسبب المأكولات الرديئة وبسبب تخلل اللطيف وبقاء الكثيف وإحتراقه.
وكلما أثار فيها خلط من تثوير الطبيعة للدفع والتحليل رده البرد إلى الحقن ويقلّ الدم في الخريف جداً بل هو مضاد للدم في مزاجه فلا يعين على توليده وقد تقدّم تحليل الصيف الدم وتقليله منه.
ويكثر فيه من الأخلاط المرار الأصفر بقية عن الصيف والأسود لترمد الأخلاط في الصيف فلذلك تكثر فيه السوداء لأن الصيف يرمد والخريف يبرد.
وأول الخريف موافق للمشايخ موافقة ما وآخره يضرهم وأمراض الخريف هي الجرب المتقشر والقوابي والسرطانات وأوجاع المفاصل والحيّات المختلطة وحميات الربع لكثرة السوداء لما أوضحناه من علة ولذلك يعظم فيه الطحال ويعرض فيه تقطير البول لما يعرض للمثانة من اختلاف المزاج في الحرّ والبرد ويعرض أيضاً عسر البول وهو أكثر عروضاً من تقطير البول ويعرض فيه زلق الأمعاء وذلك لدفع البرد فيه ما رق من الأخلاط إلى باطن البدن ويعرض فيه عرق النسا أيضاً وتكون فيه الذبحة لذاعة مرارية وفي الربيع بلغمية لأن مبدأ كل منهما من الخلط الذي يثيره الفصل الذي قبله ويكثر فيه إيلاوس اليابس وقد يقع فيه السكتة وأمراض السكتة وأمراض الرئة وأوجاع الظهر والفخذين بسبب حركة الفصول في الصيف ثم انحصارها فيه.
ويكثر فيه الديدان في البطن لضعف القوة عن الهضم والدفع ويكثر خصوصاً في اليابس منه الجدري وخصوصاً إذا سبقه صيف حار ويكثر فيه الجنون أيضاً لرداءة الأخلاط المرارية ومخالطة السوداء لها.
والخريف أضر الفصول بأصحاب قروح الرئة الذين هم أصحاب السل وهو يكشف المشكل في حاله إذا كان ابتدأ ولم يستبن آياته وهو من أضر الفصول بأصحاب الدقّ المفرد أيضا بسبب تجفيفه.
والخريف كالكافل عن الصيف بقايا أمراضه وأجود الخريف أرطبه والمطير منه واليابس منه أردؤه.

.الفصل السابع: أحكام تركيب السنة:

إذا ورد ربيع شمالي على شتاء جنوبي ثم تبعه صيف ومدّ وكثرت المياه وحفظ الربيع المواد إلى الصيفّ كثر الموتان في الخريف في الغلمان وكثر السحج وقروح الأمعاء والغب غير الخالصة الطويلة.
فإن كان الشتاء شديد الرطوبة أسقطت اللواتي تتربصن وضعهن ربيعاً بأدنى سبب.
وإن ولدن أضعفن وأمتن أو أسقمن.
ويكثر بالناس الرمد واختلاف الدم والنوازل تكثر حينئذ وخصوصاً بالشيوخ وينزل في أعصابهم فربما ماتوا منها فجأة لهجومها على مسالك الروح دفعة مع كثرة فإن كان الربيع مطيراً جنوبياً وقد ورد على شتاء شمالي كثر في الصيف الحميات الحارة والرمد ولين الطبيعة واختلاف الدم وأكثر ذلك كله من النوازل واندفاع البلغم المجتمع شتاء إلى التجاويف الباطنة لما حرّكه الحر وخصوصاً لأصحاب الأمزجة الرطبة مثل النساء ويكثر العفن وحمياته فإن حدث في صيقهم- وقت طلوع الشعرى- مطر وهبت شمال رجي خير وتحللت الأمراض.
وأضر ما يكون هذا الفصل إنما هو بالنساء والصبيان ومن ينجو منهم يقع إلى الربع لإحتراق الأخلاط وترمدها وإلى الاستسقاء بعد الربع بسبب الربع وأوجاع الطحال وضعف الكبد لذلك وإذا ورد على صيف يابس شمالي خريف مطير جنوبي إستعدت الأبدان لأن تصدع في الشتاء وتسعل وتبح حلوقها وتسل لأّنها يعرض لها كثيراً أن تزكم ولذلك إذا ورد على صيف يابس جنوبي خريف مطير شمالي كثر أيضاً في الشتاء الصداع ثم النزلة والسعال والبحوحة.
وإن ورد على صيف جنوبي خريف شمالي كثرت فيه أمراض العصر والحقن.
وإذا تطابق الصيف والخريف في كونهما جنوبيين رطبين كثرت الرطوبات.
فإذا جاء الشتاء جاءت أمراض العصر المذكورة.
ولا يبعد أن يؤدي الاحتقان وارتكام المواد لكثرتها وفقدان المنافس إلى أمراض عفنية.
ولم يخل الشتاء عن أن يكون ممرضاً لمصادفته مواد رديئة محتقنة كثيرة.
وإذا كانا معاً يابسين شماليين انتفع من يشكو الرطوبة والنسا.
وغيرهم يعرض له رمد يابس ونزلة مزمنة وحميات حارة وماليخوليا.
ثم اعلم أن الشتاء البارد المطير يحدث حرقة البول وإذا اشتدت حرارة الصيف ويبوسته حدثت خوانيق قتالة وغير قتالة ومنفجرة وغير منفجرة.
والمنفجرة تكون داخلاً وخارجاً وحدث عسر بول وحصبة وحميقاً وجمري سليمات ورمد وفساد دم وكرب واحتباس طمث ونفث.
والشتاء اليابس- إذا كان ربيعه يابساً- فهو رديء.
والوباء يفسد الأشجار والنبات.